"جبريل" يقاتل في غزة
"إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) سورة الأنفال، إنها العناية ألإلهية حين لاحظت عيونها الجماعة المؤمنة الأولى،فحل بلحاظها التتبيث والسكينة،ونزل ««المدد الملائكي» على رأسه أمين السماء و أبو الملائكة جبريل،سكتت الألسنة ونطقت الأسنة،رؤوس تتطاير،وأصابع تبتر،لغة في الميدان خاصة بالملائكة يسمعها الصحابة ولا يدرون معناها، في مشهد مستغربة أطواره، لم يألفه المخيال العربي آنذاك، ينذر بانكسار تاريخي كبير لمعسكر الكفر والشرك ،يبشر فيه النبي الحبيب الفئة المؤمنة بان المعركة محسومة لأن القائد جبريل قائلا"أبشروا هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب"،
وصدق العليم العظيم إذ يقول"إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين9"الأنفال ،في الجانب الأخرٍ كان القائد إبليس في صورة سراقة بن مالك يزين ويوسوس ويدعم، ثم يفر حين يرى المدد الملائكي الذي حجبه الله انذاك ويحجبه اليوم عن المرجفين قال تعالى، وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)الانفال
بدر.. من «الإخبار إلى الإعتبار»
_ انتصر المسلمون في بدر ... فهل قص علينا القران هذه القصة،استئناسا أو متعة، أو من باب الترف الفكري، أم أن في إيرادها ارتقاء بمضامينها وتجلياتها من مستوى الإخبار إلى مستوى التأني والإعتبار؟،ثم ما هي الشروط التي أهلت المسلمين آنذاك لتلقي هذا الإمداد؟،وهل هو إمداد قاصر عليهم أم يتعدى إلى غيرهم،؟ وبتعبير دقيق أليس يتكرر هذا الإمداد الملائكي باعتباره أمرا سننيا؟ أم أنه قصة حال لمقام خاص لا يتعدى به موضعه زمانا ومكانا؟
_ مما لا شك فيه ان الذي حسم المعركة _الغير المتكافئة عدة وعتادا_ هو الإيمان حينما خالط بشاشته قلوب الرعيل الأول من الصحابة،وتلبس بجوارحهم فأنتج ذلك الجيل الرباني الفريد، جيل الانتصار جيل الإبتعاث، الذي أخذ على عاتقه إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل وسماحة الاسلام.
مسلمة« صلاحية القرآن للزمان والمكان»
_ إن صلاحية القرآن لكل زمان تجعل من أحكامه ومضامينه ومقاصده ممتدة بإطلاق، تستجيب للتطورات وتجيب عن كل المستجدات، فهو الذي لا تنتهي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد...بما يعني ذلك أن العودة إليه شرط في استئناف النهوض الحضاري والشهادة على الناس، إذ فيه من المرونة والكمال ما يستوجب ضرورة تكييف أوضاعنا معه فهما وتنزيلا واستنتاجا ..إذن لماذا يذكر القران هذه القصص والمعجزات أليس للاعتبار؟ولماذا يكررها أليس يقتضي ذلك ضمنا صلاحية تلك الكرامات وخوارق العادات في زمن فقد المعجزات، إذ لا شك أن وجودها ممتد عبر الزمان متى تخلق الإنسان بأخلاق القرآن. ألم يقل الله عزوجل" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)فصلت.
ألم يثبت الله المقاومة في غزة، ويلقي الرعب في قلب أقوى جيش في المنطقة والعاشر عالميا، وصاحب أحسن منظومة دفاع جوي_لربما_ في العالم ،و صاحب "الميركافا المصفحة" والتي تذوب أمام صواريخ محلية الصنع بغزة، وقبة حديدية بملايير الدولارات تخفق في التصدي لصاروخ لا تتجاوز تكلفته 1000 دولار، تضحي القبة بأكثر من ستة صواريخ لإسقاطه تكلفة الواحد منها بين 70 و80 الف دولار، بنسبة نجاح 20 و25 %، بل إن إسقاط طائرات حماس العبثية يحتاج إلى أكثر من صاروخ باتريوت المكلف (بين مليون و مليوني دولار)، وعقول تخترق شبكات التلفزة والمحمول وترسل أكثر من نصف مليون رسالة تهديدا للمستوطنين...أي شموخ هذا؟ وجيش مصر "الكبير"، جيش (الخباز السيسي) مشغول بصناعة الكفتة( الشفاء من كل داء) والمربى والمعكرونة... وصدق الله إذ يقول" ) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى (17)الانفال"والسؤال قطاع لا يبلغ أكثر من «360 كيلو مت مربع » يصنع كل هذا الضجيج والهلع،.أليست الملائكة على الأرض"؟ " وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ"31 المدثر،" إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)التوبة،..إنها مدرسة فريدة وللإنصاف يجب على جيوشنا العربية اليوم المسارعة إلى طلب القيام بمناورات مع ألويتها،والاستفادة من خبرتها في التصنيع...
بين الأمس واليوم...من «غزوة الخندق إلى غزوة النفق»
_ وتشاء الأقدار أن يتحد جيش المشركين بقيادة اليهود الحاقدين،ليستأصلوا شأفة المومنين ودولتهم الفتية التي لم يمر عليها أكثر من خمس سنوات، وفي وقت محتقن،يخرج سلمان بأصدق لهجة ليقرر حفر الخندق، يصف الحق هذا المشهد الرهيب فيقول" إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11)الاحزاب، حتى قال أحد المنافقين محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر واحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط،"، وجاء النصر مع المدد.
تتمايز اليوم فئتان حول غزة" فئة الصابرين" وفئة "المنافقين والمرجفين"،الذين يستكثرون على المقاومة نصرها، ويقولون ما وعدتنا المقاومة إلا غرورا، فلقد انكشف الذين في قلوبهم مرض،وبرز الفرارون والمعذرون، "َإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً 13 الاحزاب، وحوصرت غزة برا وبحرا وجوا...وتتكرر غزوة الأحزاب في تمظهر جديد يخضع فقط لتغير الزمان والأشخاص، أما مشاهده وعبره فواحدة واحدة ولله في شؤونه عجب، وكما قيد الله الخندق قيد الله النفق والأنفاق، كان الخندق حاسما وكان النفق فارقا، لقد أعد العدو لكل عدته حتى عد أنفاس أهل غزة، لكنه نسي، أن الأصحاب وأهل الأحوال (المجاهدين) كما ينبعثون من تحت التراب، يتنزل مددهم من السماء "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)الأحزاب...أليس سياق المعركة بغزة هاشم يستوجب هذا المدد، أليس من المعجزة في زمن ندرة المعجزات أن يبقى أكثر من 21 مقاتلا داخل نفق بعد قصفه، وبعد أن نضب ماؤهم وظنوا أنه الهلاك، يوحي ربك إلى الأرض أن يا أرض أخرجي مائك لترتوي الفئة المؤمنة وتخرج من تحت الأنقاض سالمة، مدد مدد...
غزة بين «الإيمان والأمل»
_ الأمل منحة ربانية تبعث على التفاؤل والجد والمثابرة، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، بالإيمان يتشبث الغزاويون بالحياة..ورغم القتل لن تسمع في غزة هاشم إلا لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل، المجد للمقاومة (بويعت حماس طواعية لأنها تعرف أن طلاق المكره لا يجوز) الخزي والعار للمنافقين والمرجفين من الصهاينة والعرب، وتعجب كيف لإنسان فقد 10 أو 20 من أفراد عائلته تجده صابرا متصبرا يقف كالطود، وتدهش لمن فقد ماله وأملاكه لا يقول هذا ما جنته علي حماس وما جنيته على احد، تصعق كيف لا يبيع دينه ومقاومته يقول قائلهم:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ==== على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وان يشأ ==== يبارك عــلى أوصـــــــال شلو ممزع
بل يتعجب العجب ولو كان في شهر رجب ،كيف يوجد في شعب الجبارين امرأة قسامية تحمل السلاح لتقود أبنائها إلى الجهاد،إيهˮ يا خناسˮ، وهي تقول كل بعد المقاومة يهون، إنها أم عمارة هذا الزمان ،إنها المرأة الفلسطينية التي إذا ما بلغ ابنها سن الرشد أهدته بندقية أو رشاشا،وصدق الشاعر إذ يقول:
ولـو أن النسـاء كمـن عرفنـــــا ==== لفضِّـلت النساء على الرجالِ
فما التأنيـث لاسم الشمس عـيبٌ ==== ولا التـذكير فخــرٌ للهـــــلالِ
سيقول المرجفون من أبناء جلدتنا ممن يتكلمون بألسنتنا.. هذا «كلام حال»،وقصص الأحوال هينة في مجال الإستدلال وهي في أحسن الأحوال تطوى ولا تروى،والقياس عليها ضرب من الخيال والخبال؟؟...نقول لهم هي فعلا أحوال لكنها أحوال" حقيقية" لأهل غزة في القتال، فقد روى الذين زاروا القطاع، العديد من صور الكمال والجلال، فحفظ القرآن لا يستغرق الليالي الطوال، وفي الحرب يقتل الوزير والرئيس وكل في مقدمة الأبطال، وإذا ماجن الليل خرج الأسود للحراسة والأشبال،..
وفينـــا من يقول لهم ==== عقيـــدتكم بها خلل
خوالفَ أمتي مهـــلاً ==== بصيرتكم بها حول
فليس سوى عقيدتكم ==== سرى بكيانها الشلل
تأمل معي ،لو أنت جالس مع أبنائك على مائدة الإفطار،ثم ينزل عليك صاروخ من "ف "16 أولا وثانيا وثالثا، فيتحول أبناؤك إلى فتات، يختلط طعامك مع أشلائهم،.ويبقون تحت الهدم والركام وإكرام الميت دفنه، فلا تستطيع إكرامهم، كيف أنت؟ستحمد الله وتصطبر..ذلك منتج لا يصنع إلا عند الصديقين بغزة (mad in Gaza)،أما أنا وأنت ففينا قول الشاعر
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها ==== واقعـدْ فإنّك أنـت الطاعمُ الكاسي
*أستاذ باحث في العلوم الشرعية*
Emasabir@gmail.com
"جبريل" يقاتل في غزة
4/
5
Oleh
Unknown